هي ورقة تتحدث عن زوايا محددة بمقاربة علمية ، يمكنها وقف كوارث طبيعية ستحل وتحل بالمدينة أو حاضرة المحيط …تتحدث عن هيكلة المجال الترابي والبيئي..دون المساس بقوانين الطبيعة …
عبد اللطيف علومي …
يُعد واد الشعبة أحد المكونات الطبيعية الأساسية في المجال الحضري لمدينة آسفي، غير أن الفيضانات المتكررة التي يعرفها خلال فترات التساقطات القوية كشفت عن اختلالات بنيوية في تدبير المجال، حيث تم التعامل مع الواد كعائق عمراني بدل اعتباره عنصراً طبيعياً يجب إدماجه واحترامه.
وانطلاقاً من هذا الواقع، تهدف هذه الرؤية إلى اقتراح حلول مجالية وبيئية متكاملة، تجعل من واد الشعبة رافعة للحماية البيئية والتنمية الحضرية بدل مصدر للخطر.
أولاً: تشخيص مجالي وبيئي
يقع واد الشعبة ضمن حوض مائي منحدر من الهضبة العليا نحو وسط المدينة، ويعاني من:
اختناق المجرى الطبيعي وتضييقه.
توسع عمراني داخل مناطق معرضة للفيضانات.
غياب منشآت لضبط ذروة الصبيب قبل دخول المياه إلى المجال الحضري.
تدهور الغطاء النباتي في المنبع والمحيط.
هذه العوامل مجتمعة تجعل من الفيضانات نتيجة لاختيارات مجالية غير منسجمة مع الخصائص الطبيعية للوادي.
ثانياً: مرتكزات الرؤية
ترتكز هذه الرؤية على:
المعالجة من المنبع إلى المصب.
الجمع بين الحلول التقنية والحلول البيئية.
الوقاية والاستباق بدل التدخل بعد الكارثة.
تحويل المخاطر الطبيعية إلى فرص تنموية.
ثالثاً: محاور إعادة تنظيم المجال
1️⃣ إعادة الاعتبار لمجرى واد الشعبة
تحرير المجرى من التعديات.
توسيع المقاطع الحرجة داخل المجال الحضري.
تهيئة الضفاف بمواد طبيعية ونباتات محلية.
2️⃣ إحداث سد تنظيمي حضري كحل بنيوي
من بين الحلول الأساسية المقترحة، إحداث سد تنظيمي منخفض الارتفاع بعد قنطرة شارع الحسن الثاني في اتجاه المدينة، على شكل سد لتخفيف ذروة الفيضانات، يهدف إلى:
تقليص سرعة وقوة تدفق المياه قبل وصولها إلى وسط المدينة.
حماية الأحياء السفلى والمدينة العتيقة، خاصة محيط باب الشعبة.
التحكم في الرواسب والطمي.
ويُؤكد أن هذا السد لا يُطرح كحل وحيد، بل كعنصر مكمّل داخل منظومة متكاملة، ويجب أن يخضع لدراسات هيدرولوجية، بيئية وتراثية دقيقة.
3️⃣ حلول بيئية مرافقة لمعالجة مشكل البعوض والحشرات
إدراكاً لأن تجميع المياه قد يخلق ظروفاً مواتية لتكاثر البعوض (moustiques)، تقترح هذه الرؤية معالجة بيئية استباقية تقوم على:
أ – الحل البيولوجي:
إدخال أنواع مختارة من الأسماك التي تتغذى على يرقات البعوض، تحت إشراف بيئي، بما يضمن التوازن الإيكولوجي.
ب – الحل النباتي:
غرس نباتات مائية منقّية على ضفاف السد (كالقصب والبردي)، لامتصاص السموم وتحسين جودة المياه.
غرس نباتات طاردة للحشرات (الريحان، النعناع، اللافندر، إكليل الجبل…) حول الفضاءات العمومية.
ج – الحل الهندسي الوقائي:
تفادي ركود المياه عبر ضمان حركة دورية للصبيب.
اعتماد أعماق متغيرة تمنع تكاثر اليرقات.
4️⃣ إدماج الواد والسد في النسيج الحضري
تحويل محيط واد الشعبة والسد إلى ممر بيئي حضري.
إحداث فضاءات خضراء ومسارات للمشي والدراجات.
استثمار الموقع كمجال سياحي وثقافي وتربوي، مرتبط بتاريخ المدينة وذاكرتها المائية.
5️⃣ الحكامة، التعمير واليقظة
إدماج الخطر الفيضي في وثائق التهيئة.
منع البناء داخل مناطق الفيضانات.
تفعيل نظام إنذار مبكر وربطه بمخطط ORSEC.
تنسيق دائم بين مختلف المتدخلين.
رابعاً: الآثار الإيجابية المتوقعة
تقليص ملموس لأضرار الفيضانات.
بيئة حضرية صحية خالية من مخاطر البعوض.
حماية التراث العمراني والتاريخي.
خلق فضاء أخضر ذي بعد سياحي وبيئي.
تعزيز صمود مدينة آسفي أمام التغيرات المناخية.
خاتمة
إن نجاح أي مشروع لحماية مدينة آسفي من فيضان واد الشعبة يمر عبر فهم الجغرافيا، احترام الطبيعة، واعتماد حلول ذكية ومندمجة.
فالسد، حين يُواكَب بحلول بيئية مدروسة، لا يُنتج مشاكل صحية، بل يتحول إلى عنصر توازن، حماية، وجمال داخل المدينة.
واد الشعبة يمكن أن يكون فضاء للحياة، لا مصدراً للخطر
