عقدت النقابة الوطنية للصحافة المغربية اجتماعًا لمجلسها الوطني الفيدرالي في دورته الثالثة، وذلك يوم السبت 01 نونبر 2025، بقاعة الندوات بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، تحت شعار:“ مستمرون ومعبَّؤون في الدفاع عن المهنة والمهنيين “.

وقد تزامن اجتماع المجلس الوطني الفيدرالي الثالث مع صدور القرار الأممي التاريخي والحاسم، الذي حظي باحتفال خاص في بداية أشغال المجلس الوطني الفيدرالي، واعتُبر لحظة فارقة عبّر عنها الشعب المغربي في احتفاله العفوي بهذا الانتصار للوحدة الترابية. ولخّص الخطاب السامي لجلالة الملك سموّ الاستثمار الفعلي والعملي لنتائج هذا القرار في بناء محيطٍ إقليمي وقاري للسلام وازدهار الشعوب.
وبعد العرض الذي قدّمه رئيس المجلس الوطني الفيدرالي، ثمّن فيه هذا القرار التاريخي، معتبِرًا أن الإعلاميات والإعلاميين يشعرون بالفخر بهذا الانتصار بعد سنواتٍ من الكفاح الإعلامي ضد الآلة الانفصالية المدعومة بقوة المال، وبمنسوبٍ متزايدٍ من الكذب والتضليل لفرض حقيقةٍ وهميةٍ على جغرافية المنطقة.
وذكّر رئيس المجلس الوطني الفيدرالي بالسياق الذي ينعقد فيه المجلس الوطني الفيدرالي الثالث، والذي يعيش فيه الإعلام الوطني لحظة حاسمة وفارقة، مشيرًا إلى الزخم الذي تعيشه النقابة خلال هذه السنة، وهو ما جعل هياكلها تعيش ضغطًا بفعل تعدد جبهات النضال المفتوحة، معتبرًا أن ما تحقق من نتائج في عدد من الواجهات يعكس حيوية أجهزة النقابة مركزيًا وقطاعيًا.
واستُهل جدول أعمال الدورة الثالثة بالمصادقة على مقترحات تشكيل لجنتَي الأخلاقيات والتحكيم والمالية، تلتها العروض التي قدّمتها شعب المجلس الوطني الفيدرالي الأربع عن أشغالها في الفترة الفاصلة بين المجلسين، حيث قدّمت خلاصات عملها والتوصيات التي ترسم جزءًا من نشاط النقابة خلال المرحلة المقبلة، والتي ستعرف انتقالًا نوعيًا في أداء جهاز النقابة التقريري، للمساهمة في تنشيط العمل النقابي تنظيميًا وإشعاعيًا.
بعد ذلك قدّم رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، باسم المكتب التنفيذي، عرضًا مفصلًا عن نشاط النقابة في الفترة الفاصلة بين المجلسين، تناول فيه الظروف والسياق الذي ينعقد فيه هذا المجلس، والتي اعتبرها صعبة ونوعية، شكّلت تحديًا حقيقيًا للنقابة في مواجهة نزعة الاستفراد بالقرارات وتآكل التشاور المؤسساتي في صياغة البيئة القانونية للإعلام الوطني، ومحاولات التجاسر على قرار النقابة الحر والمستقل، الذي ظل شريكًا حقيقيًا ومسؤولًا في توفير التوافق الوطني داخل قطاعٍ يستحيل تسييره فقط بالرافعة القانونية التي لا تحظى بتوافقٍ واسع بين المهنيين.
وعدّد عرض المكتب التنفيذي واجهات اشتغال النقابة مركزيًا وقطاعيًا، متوقفًا عند محطات النضال التي قادتها النقابة، والأنشطة التي نظمتها بمختلف الجهات والأقاليم لفائدة المهنة والمهنيين، معتبرًا أن الحصيلة تعكس حضور النقابة في عمق الفعل النضالي والمهني بفضل الالتزام الكبير لمناضلاتها و مناضليها على مختلف الواجهات.
وبعد مداولاتٍ غنية بالمداخلات القوية والرصينة في تحليل محاور التقريرين الأدبي والمالي المقدَّمين خلال هذه الدورة، خلص المجلس الوطني الفيدرالي إلى ما يلي:
v أولًا: على المستوى المادي والمهني
دعا المجلس الوطني الفيدرالي إلى ضرورة الالتفات إلى القطاع الذي يعيش هشاشةً تصل حدّ العنف في بعض المجالات، نتيجة التوقف النهائي عن الزيادة في الأجور لعقود، وغياب العدالة الأجرية في قطاعاتٍ أخرى، بل ووجود تمييزٍ سلبي في دعم أجور العاملين بالقطاع قياسًا بباقي القطاعات التي عرفت زياداتٍ واضحةٍ وقارة، حتى تحوّل قطاع الصحافة والإعلام إلى نموذجٍ مهني غير مغريٍ للكفاءات والأطر.
واعتبر المجلس الوطني الفيدرالي أن ما يعيشه قطاع الصحافة المكتوبة والإلكترونية والإذاعات الخاصة والصحافيون الأحرار يحتاج إلى تحركٍ فوريٍّ لمواجهة حالة الركود والضياع المهني، بعد استمرار الدعم الحكومي بالصيغة التي فرضتها جائحة كورونا، والتي أثّرت على التدرج المهني والزيادات في الأجور التي بقيت قارة لأكثر من عقدٍ في عدد من المؤسسات.
وفي هذا السياق، اعتبر المجلس الوطني الفيدرالي أن الجهة المعنية اليوم بالجواب عن هذه الأوضاع المتردية هي الحكومة، المسؤولة عن الدعم العمومي الموجه للمقاولات الصحفية، ودعا إلى ضرورة الإسراع بالانتقال إلى نظام دعمٍ يسمح بتنفيذ الاتفاقية الجماعية المُحيَّنة، المتضمِّنة للاتفاق الاجتماعي الموقع بين النقابة الوطنية للصحافة المغربية والجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، كشرطٍ رئيسيٍّ للاستفادة منه.
وقرر المجلس الوطني الفيدرالي للنقابة تكليف المكتب التنفيذي بإطلاق سلسلةٍ من الوقفات الاحتجاجية أمام المقرات الحكومية المعنية بتحسين الأوضاع المادية والمهنية لعموم العاملين بالقطاع، واستعمال كل الوسائل القانونية للدفاع عن هذه الحقوق المهضومة التي عمّقت الهشاشة داخل القطاع.
v ثانيًا: بشأن مرسوم الدعم
نبّه المجلس الوطني الفيدرالي إلى ضرورة تجاوز منطق الإقصاء والتمييز في تدبير هذا الملف المهني والاجتماعي عبر مراسيم وآليات كرّست تغييب ممثلي النقابة الوطنية للصحافة المغربية والمهنيين عن المشاورات التي سبقت تنزيل تلك المراسيم والقرارات، وكذا تغييب ممثلي الصحافيين المهنيين من عضوية لجنة الدعم العمومي.
كما نبّه المجلس إلى التمييز القائم بين المؤسسات، وإقصاء المقاولات الصغرى والمتوسطة بمعايير مالية مجحفة، بدل توفير وعاء دعمٍ يضمن للمقاولات الكبرى إمكانيات الحفاظ على الموارد البشرية وتحسين ظروفها المادية بما يليق وطبيعة القطاع، مع تمكين المقاولات المتوسطة والصغرى من حقها في الدعم الذي يسمح لها بالتطور، انسجامًا مع مبدأ التنوع والتعدد الإعلامي الذي تحتاجه بلادنا.
v ثالثًا: بخصوص مشروع قانون 25.26
توقف المجلس الوطني الفيدرالي عند مشروع قانون 25.26 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، وثمّن كل مواقف النقابة في مواجهة هذا المشروع التراجعي عن مكتسب التنظيم الذاتي، معتبرًا أن المعركة التي خاضتها النقابة مبدئية وضرورية للدفاع عن تاريخٍ طويلٍ من التواجد الشرعي في قلب كل المشاريع والمبادرات، إذ كانت الفاعل الرئيسي في مجال الأخلاقيات والمساهم الفعلي في مشاورات تأسيس البناء القانوني للتنظيم الذاتي، والفائز الشرعي فيه بشراكة مع حلفائها.
وثمّن المجلس الوطني الفيدرالي كل الخطوات الترافعية والاحتجاجية التي خاضتها النقابة لمواجهة المشروع، معتبرًا أن نسج تحالفٍ مع الهيئات الرافضة له يعد خيارًا صائبًا وجوهريًا لمواجهة رغبةٍ غير مفهومة في تمرير مشروعٍ انتقدته هيئات دستورية ومنظمات حقوقية ومهنية، ويرفضه طيفٌ واسع من المهنيين.
ودعا المجلس إلى مواصلة التعبئة واليقظة في مواجهة هذا المشروع الذي جاء خارج فلسفة وجوهر التنظيم الذاتي المكرس في المادة 28 من دستور فاتح يوليوز 2011، مع تفويض المكتب التنفيذي صلاحية إدارة الملف حتى تحقيق مطالب تعديل المشروع، وجعل دورة المجلس الوطني الفيدرالي للنقابة مفتوحة لمواكبة كل المستجدات.
v رابعًا: بخصوص اللجنة المؤقتة
وبالنظر إلى ما صدر عن اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر المنتهية ولايتها من قراراتٍ ومواقفَ في حق النقابة، خصوصًا إمعانها الغريب في ضرب مكتسبات النقابة التاريخية في البطاقة المهنية وبطاقة القطار، والطريقة التي تعاملت بها مع مذكرة النقابة الترافعية حول مشاريع القوانين المنظمة للمهنة، فضلًا عن مساهمتها الفعلية في هندسة مشروع تفكيك التنظيم الذاتي للمهنة، فقد ثمّن المجلس الوطني الفيدرالي كل قرارات المكتب التنفيذي ذات الصلة، معتبرًا أن صلاحية هذه اللجنة انتهت، وأن أي محاولةٍ لإعادة منحها شرعية التصرف في القطاع لن تزيد الأمور إلا تعقيدًا. ودعا الحكومة إلى حوارٍ صريحٍ وشفافٍ مع المهنيين لإعادة الدفء إلى القطاع.
v خامسًا: الإجراءات التنظيمية
قرر المجلس الوطني الفيدرالي جملةً من الإجراءات التأديبية والتنظيمية والقانونية التي ستُفعَّل طبقًا للقانونين الأساسي والداخلي، من أجل منح العمل النقابي مزيدًا من الانضباط وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتعزيز المبادرات القطاعية والمجالية لخلق زخمٍ نضالي وإشعاعي للنقابة.
سادسًا: القطاعات والقضايا الوطنية
تبنّى المجلس الوطني الفيدرالي جملةً من القرارات ذات الصلة بالقطاعات التابعة للنقابة، سواء تعلّق الأمر بالقطب العمومي الذي يعيش تحولاتٍ عميقة في ظل شُحّ المعطيات وضبابية الرؤية، أو بغيره، وقرر تنظيم ندوةٍ وطنية كبرى حول الإعلام العمومي، وصياغة ملفٍّ مطلبيٍّ يتماشى مع رؤية توحيد مؤسسات القطب العمومي في “هولدينغ إعلامي”، سيكون موضوع لقاءٍ مرتقب مع الجهات المسؤولة في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وباقي مؤسسات القطب العمومي.
وقرر المجلس الوطني الفيدرالي دعوة باقي القطاعات إلى صياغة ملفاتها المطلبية، سواء في الاذاعات الخاصة أو الصحافيين الأحرار، والاستعداد تنظيميا للدفاع عنها قطاعيا ومركزيا.
وارتباطًا باحتفالات الشعب المغربي بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، وتتويجًا للنصر المغربي الأخير بمجلس الأمن، وانخراطًا في الرؤية الملكية الحكيمة في خطاب الاستثمار الرشيد للانتصار المغربي، تقرّر عقد ندوةٍ وطنية حول “القضية الوطنية والأفق المغاربي الموحّد”، وإطلاق برامج ومبادرات بفروع الأقاليم الجنوبية الثلاث، واستمرار العمل والتعبئة نقابيًا في المنظمات المهنية إقليميًا ودوليًا لخدمة هذا الهدف.
v سابعًا: دوليا
استحضر المجلس الوطني الفيدرالي، بكثيرٍ من الانشغال والغضب، تزامن اجتماعه مع اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، الموافق للثاني من نونبر من كل عام، ليذكّر بالواقع المأساوي الذي يعيشه الصحفيون الفلسطينيون نتيجة استمرار جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحقهم، ولا سيّما خلال حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على قطاع غزة منذ عامين، والتي راح ضحيتها أكثر من 256 شهيدًا من الصحفيين والصحفيات والعاملين في الحقل الإعلامي، إلى جانب مئات الجرحى والمعتقلين وتدمير مئات المكاتب والمقرات والمؤسسات الإعلامية.
وفي هذا السياق، يؤكد المجلس الوطني الفيدرالي انخراط النقابة الوطنية للصحافة المغربية في كافة المبادرات التضامنية، ودعم جهود توثيق الانتهاكات من خلال المنظمات الدولية، ونقلها إلى المحاكم والهيئات القانونية الدولية.
