لالة حبيبة دادة…حين تمشي النضالات على مهلٍ ووقار

72

بقلم رشيدة حتا

فقدت مدينة آسفي اليوم احدى نسائها اللواتي لا تتكرر ملامحهن، امرأة كانت تمشي في الحياة كأنها ضوء يعرف طريقه، لا تستوقفها العواصف ولا تغريها المنابر.
رحلت لالة حبيبة دادة، الزوجة المناضلة، والام الصابرة، والصديقة التي كان في صوتها سكون الجبال، وفي ابتسامتها وعد بالطمأنينة.

كانت طلتها بهاء استثنائيا ، وابتسامتها الخفية وعدا بالأمل، وعيناها العميقتان تشعان حكمة وتجربة وطمأنينة.

كانت رفيقة درب المناضل الكبير محمد الشعبي، ذاك الذي حدثنا عنه والدي بفخر وشموخ، عن استماتته في الدفاع عن القيم، وعن قدرته على الإفلات من قبضة البوليس السياسي، وعن صمته الذي صان رفاقه من الألم، حين جعل من جسده جدارا للوطن، ومن تعذيبه قصيدة صمود.

وكان أبي رحمه الله يحدثنا عنها ايضا، عن زوجته الصلبة التي لم تنكسر أمام المحن، بل احتضنت أبناءها كما تحتضن الأرض بذورها بعد المطر، فأنبتت فيهم كرامة وعزيمة لا تذبل.
عاشت مرارة الغياب، لكنها لم تنحن، صمدت وناضلت، وحملت في عيونها شجاعة النساء اللواتي يواجهن الحياة بابتسامة تشبه السلاح.

وحين جمعتني بها الأقدار بعد أعوام، في هيئة “نساء من أجل نساء”، رأيت فيها ما كان أبي يصفه تماما، سيدة الحكمة، نهرا من رزانة لا يجف، وصوتا حين يتكلم يصمت الجميع احتراما.
اشتغلت على أكثر من واجهة، في جمعية الآباء، وفي قلب المجتمع المدني، وبين صفوف الاتحاد الاشتراكي، مناضلة بصمت نبيل، لا تسعى إلى الأضواء، بل إلى الأثر.
كانت ترى في العمل الجماعي واجبا أخلاقيا، وفي النضال اليومي صلاة للوطن، وطريقا لتكريم الإنسان وإكرام المدينة التي أحبتها حتى آخر رمق.

ولما أتيح لها أن تكون على رأس اللائحة النسائية لحزب الاتحاد الاشتراكي، كان من حسن حظي أن أكون إلى جانبها في الحملات الانتخابية. هناك رأيت كيف تمارس النضال بوقار العارفين، لا تصرخ بل تقنع، لا تهاجم بل تبني.
وفي جمعية آباء وأولياء تلميذات الثانوية الإعدادية فاطمة الفهرية، كانت القائدة المتزنة، الحكيمة الجسورة، التي تلهم حضورها قبل كلماتها.

ترجلت اليوم عن صهوة حياتها كما يترجل الكبار، تاركة وراءها إرثا من النقاء، وذاكرة تنبض بالعزة والحنين.
رحلت، لكن أثرها باق في الممرات التي مشت فيها، وفي الوجوه التي أضاءتها، وفي المدينة التي تحبها كأم تحتضن أبناءها مهما طال الغياب.

رحمها الله بواسع رحمته،
وجعل من سيرتها نغمة في ذاكرة آسفي،
ومن نضالها درسا للأجيال القادمة،
أن العظمة لا تقاس بما نملك، بل بما نمنح،
وأن الحب للوطن لا يقال، بل يعاش.

تحميل مواضيع أخرى ذات صلة
تحميل المزيد في تعازي
التعليقات مغلقة.

شاهد أيضاً

جلالة الملك محمد السادس يترأس بالقصر الملكي بالرباط، مجلسا وزاريا.

ترأس صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، اليوم الأحد، بالقصر الملكي بالرباط، مجلسا …