منطق الفوسفاط: شراكة ومسؤولية.. منطق الشركة الجهوية: محاباة وريع إعلامي

145

في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يعرفها قطاع الإعلام، أصبح من الضروري إعادة النظر في طرق دعم الصحافة الجادة وتوفير آليات قانونية تضمن الشفافية والاستقلالية المالية للمؤسسات الإعلامية، خصوصًا على مستوى العلاقة بين الجهات الرسمية والجرائد الإلكترونية المعتمدة ..

من بين أهم الممارسات التي ما زالت تثير الجدل، استمرار بعض الإدارات والمؤسسات العمومية في التعامل المالي المباشر مع ممثلي بعض المنابر الإعلامية عبر تقديم “أظرفة نقدية” مقابل تغطيات أو مقالات دعائية، وهي ممارسات تفتقد للشفافية وتُعرض الطرفين لشبهات الفساد أو تضارب المصالح.

وفي المقابل، يدعو العديد من الفاعلين في المجال الإعلامي إلى اعتماد الإشهار القانوني كآلية حضارية وشفافة لدعم الصحافة الجادة، وذلك من خلال توقيع اتفاقيات شراكة واضحة المعالم  تنص على إشهارات مؤدى عنها بشكل رسمي، خاضعة للفوترة وللمراقبة المالية، مع الالتزام بأخلاقيات المهنة.

يُعتبر المكتب الشريف للفوسفاط من بين المؤسسات الوطنية الرائدة التي تلتزم بالإشهار القانوني وتربط علاقاتها الإعلامية بعقود واضحة المعالم مع جرائد إلكترونية معترف بها.. وقد شكل هذا التوجه نموذجًا يُحتذى به في تدبير العلاقة مع الإعلام، سواء من حيث الشفافية أو العدالة في توزيع الدعم الإشهاري، مما عزز ثقة الجسم الصحفي في المؤسسة وضمن مستوى مهني من التغطية.

في المقابل، تعيش بعض المؤسسات العمومية ارتباكًا واضحًا في تعاطيها مع هذا الملف، وعلى رأسها الشركة الجهوية المتعددة الخدمات بجهة مراكش آسفي، التي اختارت مؤخرًا التعاقد مع بعض الجرائد الإلكترونية ، لكنها سلكت طريقًا معوجًا في توزيع الإشهار، حيث عمدت إلى اختيار مواقع دون غيرها في غياب معايير واضحة، وهو ما فتح الباب أمام المحاباة والمحسوبية، وأثار استياء المهنيين الذين طالبوا بضرورة اعتماد شروط موضوعية لتحديد الشركاء الإعلاميين، ضمنها البعد عن التشهير والالتزام باخلاقيات المهنة، وصحافيوها حاصلون على البطاقة المهني..ونشك ان أعضاء المحلس الإداري لا علم لهم بذلك..سيما أن مواقع مراكش لهم نصيب الأسد في كعكة الشراكة ، في حين يتم إقصاء منابر مشهود لها بالنزاهة بمدينة أسفي..

ويرى فقهاء القانون أن المعاملات المالية غير الموثقة، ولو كانت بحسن نية، تُعد خرقًا لقواعد الشفافية ويمكن أن تُصنف ضمن خانة “الهبات غير المشروعة” التي يعاقب عليها القانون في حال أثبتت النيابة العامة وجود علاقة مباشرة بين الدفع والتغطية الإعلامية..

ومعلوم أن التوجه نحو العقود الإشهارية الرسمية، يخضع المنابر الإعلامية لرقابة ضريبية ويجعلها تُدرج مداخيلها بشكل قانوني، مما يعزز الاحترافية ويحد من اقتصاد الريع الإعلامي.

إن اعتماد الإشهار القانوني كوسيلة للدعم والتعاون بين المؤسسات والجرائد الإلكترونية، لم يعد ترفًا أو خيارًا ثانويًا، بل ضرورة إصلاحية ملحة في أفق تكريس صحافة مسؤولة ومستقلة، بعيدة عن منطق “الأظرفة” التي أساءت لصورة الإعلام وأضعفت ثقة المواطنين في رسالته النبيلة.

تحميل مواضيع أخرى ذات صلة
تحميل المزيد في إلى من يهمه الأمر
التعليقات مغلقة.

شاهد أيضاً

رئاسة النيابة العامة تطلق دورة تكوينية وطنية حول بروتوكول إسطنبول لفائدة الأطباء الشرعيين

في خطوة جديدة لتعزيز آليات مناهضة التعذيب وترسيخ المعايير الدولية في المجال الحقوقي، أعطى …