إهداء إلى خالي الشريف سيدي محمد فردوس (البوعناني) حارس مرمى اتحاد آسفي نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، رحمه الله برحمته الواسعة.
بقلم يوسف اغويركات

آسفي، التي وصفها ابن خلدون ذات يوم بـ”حاضرة المحيط”، تعيش اليوم غروبا حضاريا مقلقا. مدينة تُقصى من الخرائط التنموية، وتستحضر فقط عند الحديث عن البطالة، والتلوث، والهشاشة. مدينة شبح، كما وصفها ابنها المخرج نورالدين الخماري، تمضي في الظلّ بينما تزاحم مدنٌ أخرى على الضوء والمشاريع والفرص.


تعاني آسفي من تهميش آخر، أشد إيلاما لأنه صامت. آسفي تعاني من تهميش ثقافي لا يُقاس بالخرائط ولا ترصده الميزانيات، بل يُحفر بصمت في الذاكرة والرموز. آثارها مهملة، وتراثها اللامادي منسي. مدينة أنجبت رموزا من طينة محمد عصفور، ومحمد الركاب، وعمران المالح، ونوفل البراوي وجليلة التلمسي، وسواهم كثير، لكنها لا تحظى بما يليق بذاكرتها ولا بمبدعيها. من الفكر إلى المقاومة، ومن الفن إلى السياسة، أبناء آسفي حاضرون في المحطات الكبرى، لكن مدينتهم لا تحضر إلا لماما، كأنها تنتمي إلى الماضي فقط.

بعد التتويج بالكأس، عبّر جمهور آسفي عن فرح نادر. لكن هذا الفرح، في جوهره، تحوّل إلى نداء. نداء يقول: كفى من الإقصاء، كفى من التهميش، آن لآسفي أن تدخل صلب المخططات التنموية، أن تستعيد مكانتها، أن تستثمر مؤهلاتها الطبيعية والبشرية الهائلة
في حيّ البحارة والصيادين، الذي تخرج منه أطرَ عليا، ويعيش أبناؤه في الخارج (في القارات الخمس)، أنشأ أصدقائي مجموعة واتساب لتبادل الذكريات. لكن النقاش، سرعان ما انزاح من الحنين إلى الحسرة. كلهم يجمعون على الشعور نفسه: مدينة الطفولة تتآكل، تتراجع، تتخلف عاما بعد آخر. فهل من منقذ؟
هل نحلم، ببساطة، بمدينة تتنفس؟ بشاطئ مفتوح؟ بميناء ترفيبملاعب قرب؟ بتشجير يحمي الأطفال من الربو؟
هل نحلم باستثمار يخلق الشغل؟
بمجلس بلدي نزيه من أبناء المدينة؟ بانتخابات شفافة لا تزوّر؟ هل نحلم بمحاسبة للمفسدين؟
هل نحلم بإعلام محلي حرّ، ومجتمع مدني يقظ، وسكان يسترجعون ثقتهم في الفعل العمومي؟
إنه حلم مشروع. لا لنهرب من الواقع، بل لنحافظ على قدرتنا على تغييره.
شكرا لفريق أولمبيك آسفي، الذي ذكّرنا أننا نستحق الفرح… ونستحق مدينة بحجم هذا الفرح.