الزيواني : تطور هذا القطاع لا يعزى إلى شخص واحد بل إلى عدد كبير من “المعلمين”

1,748

إعداد سمير لطفيآسفي

 يتلمس فن الخزف بآسفي، الذي يحظى بشعبية تتجاوز الحدود الوطنية، بالنظر لتميزه سواء من حيث الرسوم أو الألوان والأشكال، وحتى من حيث جودة منتجاته، وبتصاميمه الفريدة، سبيله من أجل التثمين وتحقيق الاستدامة، خصوصا مع وفرة منتوجات مصنعة أو أخرى مقلدة بثمن بخس.
ويتميز فن الخزف الذي تفخر به مدينة ومملكة برمتها، ويشكل جزءا لا يتجزء من الهوية والذاكرة الجماعية للمسفيويين، على الصعيد العالمي من خلال بعده الجمالي وجودته المشهودة.

لكن حتى وإن تأثر قطاع الصناعة التقليدية، وفن الخزف على وجه الخصوص بتبعات الأزمة، إلا أن تحسن الحالة الوبائية بالمغرب من خلال فتح الأجواء والانتعاش السياحي الذي تم تسجيله خلال فترة ما بعد الأزمة، انعكس إيجابا على القطاع، وحفز الصناع التقليديين على استئناف مزاولة أنشطتهم.

فجولة راجلة بشعاب المدينة العتيقة لآسفي تمكن من معاينة باقة غنية من منتجات الخزف المسفيوي، والتوقف عند الإمكانات الهامة التي تختزنها، والتي بإمكانها الإسهام في إقلاعها السياحي والاقتصادي.

ويجد الخزف المسفيوي تميزه وفرادته في نوعية الطين اللزجة وذات الجودة العالية مما يمكن من الحصول على خليط “متناسق” و”طيع” و”يسير”. لأجل ذلك يتم تناقل هذا “الإرث” من جيل إلى جيل، وتجد أسرا اقترن اسمها بفن الخزف بالمدينة، الذي يشكل مكونا هاما في النسيج السوسيو-اقتصادي المحلي.

ويمثل قطاع الصناعة التقليدية العنصر الأساسي في البيئة السوسيو-اقتصادية لمدينة آسفي، والمدر للقيمة المضافة من حيث المداخيل، وفي إحداث فرص الشغل، والنهوض بالتراث الثقافي والسياحي.

وبحسب معطيات تخص القطاع بآسفي، يعتبر الخزف من أكثر الأنشطة انتشارا بالمنطقة. ويتعلق الأمر بقطاع يزخر بإمكانات هائلة ويشكل ركيزة من ركائز الاقتصاد المحلي وهو بمثابة مركز ابتكار وطني ومركز اقتصادي للتراث، ونشاط يشغل يدا عاملة مؤهلة ويساهم في جذب سوق واعدة على المستويين الوطني والدولي، مع النهوض بالقطاع السياحي.

لأجل ذلك يعتبر خزف آسفي تراثا ومعرفة عريقة يستحسنها السائح كثيرا.

وبلغة الأرقام، يتألف القطاع من 215 ورشة، حوالي 42 منها توجد بتل الفخارين، مع عدد من الصناع التقليديين الدائمين الذي يقدر بـ 671، إضافة إلى حوالي 487 عاملا موسميا، فيما يبلغ العدد الإجمالي لأفران الغاز المخصصة للفخار 338، وتعداد الأفران التقليدية المشغلة حوالي 19 و 91 فرنا تقليديا مغلقا.

كما يتم تسويق الفخاريات في سوق الفخارين (تلة الفخارين) الذي يضم 137 متجرا (84 داخل السوق و53 حول التل) وفي سوق “دار السي كار” بالمدينة العتيقة لآسفي ( 80 محلا).

وفي تصريح لقناة إم 24 الإخبارية التابعة لوكالة المغرب العربي للأنباء، أعربت لطيفة الزيواني، الصانعة التقليدية ومالكة رواق للخزف، عن فخرها للانتماء إلى عائلة عريقة اشتغلت بالمجال وأسهمت في صونه، مشيرة إلى أن شغفها بالقطاع دفعها إلى نيل دبلوم جامعي حول فن الخزف بآسفي.

وعبرت عن ارتياحها لمزاولة هذه المهنة التي تعد جزءا لا يتجزء من تاريخ وهوية مدينة آسفي والقيام في الوقت نفسه، ببحوث علمية حول مختلف الجوانب المتصلة بهذا الإرث، لاسيما تاريخه وألوانه وأشكاله والمواد المستعملة في إنجازه، معتبرة خزف آسفي أحد “سفراء” المملكة بالخارج، وانعكاسا أصيلا لنمط عيش ورفاه عاشت على وقعه المدينة فيما مضى.

وبعدما كشفت أن البحوث العلمية وحدها كفيلة بتقديم إجابات حول تاريخ هذا الفن العريق، أكدت أن تطور هذا القطاع لا يعزى إلى شخص واحد بل إلى عدد كبير من “المعلمين” الذين عنوا بتطوير فن الخزف، والذي يمكن، فضلا عن عائداته السوسيواقتصادية المشهودة، من تعزيز الجاذبية السياحية لآسفي.

وقالت إنه “يتعين العمل سويا من أجل تطوير هذا القطاع والنهوض ببعده العالمي المتجدد، على اعتبار أن خزف آسفي يحظى بشهرة عالمية ويجذب تدفقات هامة من السياح الذين يفدون على مدينة آسفي”، معتبرة أن الوقت قد حان من أجل النهوض بالسياحة التضامنية والثقافية التي ينضوي تحت لوائها قطاع فن الخزف.

أما أحمد الغريسي، صانع الخزف التقليدي وصاحب ورشة تعنى بهذا المجال، فأبرز العلاقة الوثيقة التي توطدت بين الفخار ومدينة آسفي، لاسيما عبر وفرة المواد الأولية، مشيرا إلى أن هذا الاهتمام بفن الخزف يكمن في كون آسفي شكلت بوتقة التقت فيها عدة حضارات أعلت من شأن هذا الفن، من قبيل الفينيقيين الذين جعلوا من شبه جزيرة الحاضرة مناط تجارتهم، واستخدموا أواني الخزف للحفاظ على تموينهم.

وأوضح أن آسفي استقبلت، إضافة إلى صناعها التقليديين المحليين، صناعا آخرين ينحدرون من مدينة فاس، ممن اختاروا الاستقرار بحاضرة المحيط ومزاولة حرفتهم بها، بفضل وفرة المواد الأولية، مضيفا أن الصناع التقليديين القادمين من الأندلس أسهموا بدورهم في تطوير فن الخزف بآسفي، وإخراجه من طابعه “القروي” و”شبه القروي”، عبر بروز رسوم وأشكال جديدة زادته بهاء ورونقا.

وأبرز الغريسي أيضا الدور المحوري الذي اضطلع به “المعلم” بوجمعة لامالي الذي بمجرد استقراره بشكل نهائي بآسفي بعث من جديد هذه المعارف، وبلور تقنيات جديدة وأسهم في تكوين عدد كبير من صانعي الخزف المشهورين بالمدينة، منوها بمختلف البرامج والإجراءات التي تم اعتمادها بالمملكة من أجل إعطاء دينامية جديدة لهذا القطاع الذي تأثر كثيرا بسبب أزمة كوفيد-19.

وخلص إلى أنه من ضمن هذه الإجراءات التغطية الصحية لفائدة الصناع التقليديين، وهو ورش كبير أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والذي لا يمكن إلا أن يحفز هذه الشريحة على الاهتمام أكثر بهذا القطاع والنهوض بالابتكار وتجديد الصناعة التقليدية وضمان استدامتها، وتسليم مشعلها للأجيال الصاعدة.

عن وكالة الانباء

تحميل مواضيع أخرى ذات صلة
تحميل المزيد في ثقافة وفن
التعليقات مغلقة.

شاهد أيضاً

معطيات تاريخية مهمة على لسان أول رئيس لبراج أسفي