تلاعب في لوائح برنامج أوراش بأسفي .

3,648

بقلم / سعيد العبدي

ما يحدث هذه الأيام في عمالة أسفي،  من تغيير كلي في مجموعة  من  لوائح الجمعيات المستفيدة من برنامج أوراش ، يذكرني بمهزلة الانتخابات البلدية لسنة 1976 بأسفي ،  حيث أقدمت السلطات آنذاك يسحب لائحة الفائزين المنتمين إلى  تيار اليسار، وتعويضها بلائحة أخرى وبأسماء جديدة .. وهكذا بين ليلة وضحاها، ما بين وقت الغروب وطلوع الشمس ، تغيرت اللائحة ونشرت أخرى على سبورة المجلس الجماعي لأسفي …و إلى يومنا هذا ظلت هذه الواقعة محط استهزاء وسخرية الرأي العام المحلي.  نفس السيناريو يتكرر  اليوم ، وفي المطبخ ذاته  ” عمالة  إقليم أسفي ” وان كانت سابقا مقرها مندوبية الفلاحة  الحالية . وسبحان الله ما أشبه الأمس باليوم .. رغم ان المغرب خطا أشواطا كبيرة في مجال الحقوق ، والقطع مع العهد البائد والاستبداد ، نحو البناء والنماء والأمان . وفتحت أوراش كبرى على أكثر من صعيد، وتحققت على أرض الواقع  إنجازات هامة على المستوى الوطني  ، كما تم الإعلان  عن  برامج ومبادرات جادة ، من قبيل برنامج ” همزة ” و ” أوكسجين ”  وفرصة ” و انطلاقة ” و ” اوراش ” .. ، والتي كان المبتغى  منها هو  النهوض ومساعدة المواطنين ذوي الدخل المحدود وخاصة المطرودين من العمل بسبب جائحة كورونا ،  وهي اليوم  تعاني من مشكلتي البطالة وارتفاع الأسعار . فليس هناك أصعب من إنسان  قادر على العمل  ولا يجد فرصة  عمل وهو رب أسرة ، أو شخص يحتاج إلى شراء مواد أساسية ولا يستطيع  أن يشتريها من سكر ودقيق وزيت وشاي فما بالك بالحصول على ” حولي ” العيد الكبير لا اقول خروف اقرن  وأملح . . إنها مأساة وأية مأساة .

المبادرات إلتى اتخذتها الحكومات المغربية  المتعاقبة ، جاءت بناء على دراسات عميقة وتجارب كاملة  وحوارات وافية ،  قام بها مختصون اقتصاديون وكفاءات عالية وخبراء كبار ، المغزى منها امتصاص  آفة البطالة . وشحن معنويات المواطنين بالأمل  والتفاؤل ، ورفع روحهم المعنوية . إلا أن هذه المبادرات في بعض المناطق فشلت وذهبت في مهب الريح ، وأضحت مثل الذي يحرث في البحر ،خاصة في مدينة  العجب العجاب أسفي .

ومثال على ذلك ، برنامج أوراش بأسفي .. تقدمت ما يزيد عن 340 جمعية مدنية بمشروعها للجهة حاملة المشروع وهي  المجلس الإقليمي ، وتم انتقاء 77 جمعية ، نالت حصة الاسد دائرة سبت جزولة ، منطقة رئيس المجلس الإقليمي وهي كما نعلم ” الخزان الانتخابي “.. المثير ان  جل الجمعيات احترمت المساطر المعمول بها بعد القبول ، من نشر الإعلان التوظيف المؤقت  ، حسب الشروط و مجال وتخصص كل جمعية ، وتوصلت  السلطات المحلية باللوائح  حيث نالت موافقتها ، إلى هنا كل شيء جيد وجميل . إلا أن أصحاب الجمعيات التي حضيت بالمشروع تفاجأ في العمالة بتغيير اللوائح  وإرغام رؤساء بعض الجمعيات بالمصادقة والتوقيع عليها، الشيء الذي رفضه البعض واستنكر العملية برمتها .

و تفيد الأخبار المتداولة أن رئيسة جمعية من منطقة جمعة اسحيم لما احتجت بالصوت العالي تم التراجع عن تغيير لائحة ” المستخدمين ” .. كما أن العديد من الجمعيات تعرضت لهذا السلوك الذي وصف ” بالارعن ” . البعض تقبل الأمر على مضض والتزم الصمت وكما نعرف السكوت من علامات الرضى .

إلا أن نجم المبادرة يبقى هو مندوب الصحة القادم إلى أسفي من مدينة انزكان  ، بعد الكوارث والاخفاقات  والمشاكل التى افتعالها هناك،  لدرجة  أن الكل كان  ينتظر إعفاءه ، فإذا بوزارة الصحة تزف لنا خبر تعيينه مندوبا  بإقليم أسفي .. و قد يقول قائل :  لماذا أسفي ؟ وهذه قصة يطول شرحها ، اسفي  مدينة مهلهلة ، مدينة الأشباح على رأي ابن هذه المدينة المخرج  السينمائي نور الدين الخماري ، ورغم أن أسفي تتوفر على ثروات كثيرة وإمكانيات هائلة ، إلا أن ساكنتها تعيش الفاقة  والبطالة  و تحولت إلى مدينة لرمي الكلاب الضالة للمدن المجاورة ، وإغراقها بالمهاجرين السريين الأفارقة، وبالمتسولين والمتشردين ، ….الخ  و هنا على الصحافة الشريفة والنزيهة ان تتطرق لهذه المواضيع وتكشفها بأمانة وشجاعة وبلغة قوية ،  بلغة لا تعرف التبرج  ولا المكياج  والرموش والرتوش .  

نعود إلى مهازل التلاعب في لوائح برنامج أوراش بأسفي ، والتي كان بطلها مندوب الصحة ..في الوقت الذي وصلتنا أخبار عن مناديب ورؤساء مصالح رفضوا الدخول في هذه اللعبة ، كالتعليم والأوقاف والفلاحة والثقافة والتعاون الوطني. ورفضت عملية تغيير اللوائح ، لان العملية هي مبادرة  وليست توظيف ، بينما مندوب الصحة يقول على المرشحين ان يكونوا حاملين للدبلومات والشواهد العليا ويضرب مثلا بالمرشحين في اوراش الصحة حيث يشترط توفرهم على دبلوم التمريض . وهذا يتنافى كليا مع شروط ومرامي البرنامج . وهكذا وجدت الجمعيات  نفسها بين نازلتين اما الرضوخ  لأوامره ، وإما تشطيب عليها نهائيا وعدم التعامل معها مسقبلا . وكل هذا وقع أمام وبدعم من رئيسة القسم الاقتصادي بعمالة أسفي ، والتي اعتبرت ان كل شيء يهون أمام  مصالح المدينة ،فهؤلاء هم  أدرى وأعلم  والأقدر على التخطيط السليم . 

 وأمام هذا الوضع رفض مجموعة من رؤساء الجمعيات التغيير في اللوائح ، وقالوا بصوت واحد لا  وألف لا ، لن نأشر على أسماء لا نعرفها  ولم نختارها ، ونحن بريئين منها براءة  الذئب من قميص يوسف عليه السلام ،وهنا تفاجأ المندوب  وأصيب بالذهول والحيرة ،  فهو الذي كان يعتقد أن المجتمع المدني بأسفي قاصر، ويمكن الحجر عليه ،رغم ان  بعض الجمعيات  رضخت لأوامره وللأسف التزمت الصمت و (  السكوت من ذهب ) .

فماهي مبررات مندوب الصحة حول قرار تغيير اللوائح ؟

حسب المقربين منه ، فان المندوب يبحث عن إيجاد الحلول للمشاكل  الصحية المزمنة في أسفي ، وأن هناك ممرضات متطوعات هم أولى بالاستفادة ، كلام جميل إن صدق صاحبه . لكن جهات من داخل المستشفى تكذب ذلك وتقول أن داخل مستشفى محمد الخامس  مثل دار الشباب ، ثلاثة جمعيات منحت لها مقرات داخل المستشفى ، لها استقلال مادي وتوظف مجموعة من الممرضات والأطر ، وتضيف مصادرنا أن مجموعة من الممرضات المتطوعات بالمستشفى تكفل بهن برلمانيون ومحسنون .  فهل يعقل ان نفرض على جمعيات مختصة في السرطان والتوحد والسكري والإعاقة توظيف أصحاب الشواهد في إطار برنامج اوراش ،

من جانبه عبد الله بن تومي عن جمعية ماقيش كرامتي،  إعتبر تغيير اللوائح أمر خطير ، فالمجتمع المدني مستقل والدولة تقدمت ببرنامج اوراش من اجل امتصاص البطالة وزرع الأمل في نفوس المواطنين ، وأن التوجه العام للدولة هو منح المجتمع المدني ملف التشغيل على غرار مجموعة من الدول الاوروبية مثل المانيا والدانماك وكندا وهولاندا والتي لديها تجارب رائدة ، وأضاف بن التومي أن المجتمع المدني في فرنسا أحدث خلال سنة حوالى 100 الف منصب شغل ، وعلى هذا المنوال المغرب يتجه نحو العبور إلى مرحلة بناء الثقة والنهوض  بالتنمية الاقتصادية . ويبقى دور المصالح الحكومية هو  تقديم الاقتراحات والتشاور والتتبع  مع الحياد الايجابي . لكن المسئولين الذين يلهثون وراء مصالحهم الخاصة ، هي التي أوقعت المبادرات الاقتصادية  الكبرى في حفرة واسقطت مصداقية  البرامج في الهاوية . وجعلتنا نعوم في بحر من الفساد.

 

 

 

تحميل مواضيع أخرى ذات صلة
تحميل المزيد في شأن محلي
التعليقات مغلقة.

شاهد أيضاً

معطيات تاريخية مهمة على لسان أول رئيس لبراج أسفي