قصة قصيرة : تأشيرة خلاص

2,253

ماجدة بطار

سار عازما على المضي في طريق ابتدعها ليعيد ترميم صورته المتلفة في نظرها  ، كانت  تضم شبلها ، تحثه على التمسك بطرف مقعد منكسر..واصلت عتابها  ” للتمثال”  كونه لم يمدها بتأشيرة الخلاص العجيبة ، تلك التي تجعل المرء ينفخ أوداجه وقت تسليمها إلى مراقبي الحافلات وكأنه” توم كروز” إبان إنهائه لمهمته المستحيلة…

فبينما كانت منهمكة في موقعة نَحُولها في مقعد آمن …سهوا ألقت بدريهمات الخلاص العجيبة حال ولوجها  إلى الحافلة في وجه مسلم التأشيرة ، لتتفاجأ ب”صمته المطبق ” وكأنه رأى عفاريت وقت ولوج المراقبين قبل موعد الإفطار بقليل..

بحثت عن ورقة براءتها من جرم مشهود كان سيلقي بها في قائمة “المتسللين” في الدقائق الأخيرة من شوط إضافي…   ، نقبت عنها في حقيبة يدها أو بين يدي الصغير…لا أثر لها..اكتفى “الرجل” بالصمت ، أسمعته وابلا من اللوم كونه يعي جيدا أنها سلمته منذ البداية دليلا قاطعا عن احترامها لواجبها ولذاتها ، بعد أن ألقت بالدريهمات على صفحة معدنية مألوفة تمنح مرتادي الحافلة شيئا من راحة الضمير.. .لحظة إفلات أحدهم من فتحة الباب المطاطية تلك لتجده واقفا أمامك يطلب تأشيرة خلاصك من محاضرات طويلة و نظرات عتاب قاتلة لجمع الحاضرين المكلفين بإبلاغ الغائبين…المهم أنك ستصبح مخضرما متخصصا في التسلل في الوقت بدل الضائع …حيث تتلقى ضربات الجزاء المتتالية على مرآك ومسمعك…فتتمنى حينها لو أرسل لك علاء الدين بساطه السحري لتطير إلى وجهة لن تعود منها أبدا..

“صمت ” وفي صمته خبث و حقارة…قررت أن تعاقبه بنظرات عتاب قاتلة …ولأن وقت الإفطار قد اقترب ، بدأت الحافلة تتنفس الصعداء ، استغل الفرصة ليطالبها بالسماح ، يال العجب ! أين اختفت معالم رجولته حين طالبها المتحققون من النزاهة بمدهم بالتأشيرة اللعينة..أو إعادة اقتناء أخرى…

كان الأمر أشبه بتلفيق تهمة لأحدهم  وإجباره على تصديق ارتكابه لها…أفحمت صاحب التاشيرات ذاك بكونها مستعدة لدفع الثمن حال اعترافه بأنها اقتنت الأولى ورفض الاعتراف بمصداقيتها ،أو تعمد عدم الاعتراف لسبب مازالت تجهله إلى حد الساعة…

صرح بأنه لم يتذكرها حتى ، كيف و هي جالسة قبالته…لم تنبس ببنت شفة..حسبها الله ونعم الوكيل هكذا ردت…بينما أكد المراقبون أن الذنب ليس ذنبه أبدا ، وانه كان عليها تذكيره بأنها دفعت الثمن “غاليا”…

بالفعل …كيف لا يكون الثمن غاليا وقد وثقت في شهامته التي أظهرها وقاره …

هكذا بدا للوهلة الأولى…استسلمت لقدرها الذي تحالف مع حظها السيء في ذلك اليوم الفريد من نوعه ،قررت دفع ثمن الثانية…لم تغفر له قط استغفاله لها…اكتفت بتذكيره انه أيضا سيدفع الثمن مضاعفا و بالتقسيط المرير..

ادعى انه تحاشى الدخول في نقاش مع المحققين..كونهم معشر المؤشرين في خلاف أسطوري مع جمع المراقبين…

وأنها كانت مطالبة بتذكيره بدفعها للثمن…عذرا لا احد يطالب أخر بالتذكر…إن كانت قد نسيت مده بثمن التذكرة..فان يده التي صفعت عمقها لن تنس…ضميره أيضا..هذا إن كان يمتلكه حقا..

حاول جاهدا تبرئة نفسه من الذنب وإلقاء التهمة عليها..ولأنها لا تحتمل الاهانة ، ذكرته انه تعمد استغفالها ليوفر بضع دريهمات ، وإلا لم تعمد السكوت أمام المراقبين و نطق حال انصرافهم ليطلب سماحها..!

نسيت وجهتها …تعكر ميزاجها…..لولا وعدها لتلبية واجب الضيافة و ضيق الوقت لعدلت عن فكرة سفرها المكوكي ذاك إلى وجهة لم تكن تدرك نتائجها…

ظنت قبلا أنها ستصل وجهتها دون عناء ،  بدا خيار الحافلة مناسبا في نظرها بعد أن وجدتها فجأة أمامها..

سترتاد أخرى عاجلا ام آجلا…ستكون الخيار الأصعب و الأصوب  لن تلقي  بثمن التذكرة إلا بعد تأكد ها من مصداقية المؤشر على تذاكر الإخلاص للضمير أولا…

تحميل مواضيع أخرى ذات صلة
تحميل المزيد في ثقافة وفن
التعليقات مغلقة.

شاهد أيضاً

معطيات تاريخية مهمة على لسان أول رئيس لبراج أسفي