الإعلامي محمد دهنون يقارب القاموس السياسي لشخصية الراحل عبدالرحمن اليوسفي ( 1 )

2,578
هذه سلسلة مقالات خص بها الزميل محمد دهنون عضو هيئة التحرير بجريدة الاتحاد الاشتراكي موقعنا ” أسفي اليوم ” ، وفيها يقارب ويحاول القبض على أدق التفاصيل في شخصية الراحل عبدالرحمن اليوسفي، علاقته باسفي، ثم القاموس السياسي الذي نحته الرجل بعمق وحكمة ونضج كبير، لعل المقال التالي قمين بتوضيح التفاصيل، قراءة ماتعة…

………………………….

كان من القلائل الذين لايغريهم الارتجال ..

نحات بارع لمفاهيم مهيكلة في القاموس السياسي المغربي ..

“التلاميذ السحرة “..”المركب المصالحي “….

محمد دهنون

كان سي عبد الرحمن رجلا لايعتمد على أحد في كتابة ماسيقول ..

لم يكن كغالبية الزعماء والقيادات في العالم وليس في المغرب فحسب ..الذين يستعينون بالمساعدين وخبراء التواصل لترتيب الكلمات فوق البياض ..بل كان من القلائل “الذين لايغريهم الارتجال “, وحتى وإن حدث ذلك ..فالكلام يخرج مرصوفا مرتبا وملاكا بضم الميم مائة مرة ..وتلك عادة ظلت لصيقة سلوك الرجل بصمته وحكمته ونضجه التاريخي ..

سي عبد الرحمن ..إذا أنصت له أو قرأت خطبه و تصريحاته ..وكنت من الشعبويين الطارئين على الفعل السياسي , ستحكم بجفاف كلمه ………. إذا تمعنت ستجد العمق والتحليل الاستراتيجي والرسائل الغزيرة التي كانت تحبل بها لغته الدبلوماسية الهادئة ..لعلها واحدة من سمات الزعيم الحقيقي والقائد الفذ ..

اليوسفي لايلجأ إلى رجم الغيب السياسي بطلاسم الكلمات ولاتعقيد الخطاب ..بل كانت الفكرة الواضحة عنده هي الأهم ..وكان يحرص على تسلسلها ضمن بناء موحد وكتلة متجانسة تفضي وتنقل القارئ او المستمع عبر عتبات ومداخل مبنية بإتقان ..لم يكن هناك مجال للهو بالكلام والرمي به على كل العواهن “مفدوعا ” مشتتا لايقنع دجاجة ..؟؟

يضع رؤيته وتصوره أو رؤية الحزب ضمن خيط ناظم يبدأ في سرد الحجج ووضع الاستنتاجات يصاحبه ويصاحبها لسان فصيح لايرطن..مخارج حروف مضبوطة وصرامة بائنة  على الوجه وفي الملامح ووقفة أو جلسة تنم عن ومن أي طينة هو ذاك الرجل ..لن أتحدث عن الثقة والهدوء والاناقة الفكرية والمظهرية أيضا ..فالامر داخل في الصورة التواصلية التي يريدها أن تستقر في ذهن المتتبع ..ألم يقل هو نفسه ذات نقاش تنظيمي ..إن السياسة إشارات ..هنا تبرز الفكرة التواصلية وكيف كان يوظفها تجاه “الاخر” و”النحن” ..

الموقف لديه موضوع ومبوتق داخل إطار و”تصميم منهجي ” لاينضبط للصدفة ولايخضع لمتغيرات أو “مفاجات “الحقل الحزبي والحياة السياسية ..من يتصرف بناء على هاته المنهجية العلمية صعب جدا أن توقعه في الغلط , وحتى إذا شغلت نواقيس المناورة ..ستجد أمامك أجراس الصدق والنزاهة والوضوح وطول النفس ..الذين جربوا ذلك وهم كثر يعرفون ماذا جنوا وكيف انتهى بهم المطاف جرحى على “طريق” الوطنية ..فالسياسة أخلاق ..والحياة أيضا والعيش والتعامل مع خلق الله لابد من أن يكون مؤطرابالاخلاق ..من لاأخلاق له ..لاحياة له ….؟؟

سي عبد الرحمن نفعته أمور شتى  فيماوصل إليه من سمو الخطاب وعمقه ..فلاشيء يأتي من عدم ..لابد للسياسي أن يجتهد ويكون صلب التكوين ..حتى لايتحول إلى مهرج أو كركوز على ركح الفعل التواصلي ..

الرجل بات مرجعا وخطاباته تشكل علامة فارقة ومرجعية ..مستفيدا من ممارسته المبكرة لمهنة الصحافة ..فهو كان مناضلا إعلاميا ,جذبته الصحافة وانجذب إلى عوالمها ..بعدما أدرك أنها ورقة رابحة في فضح الفساد والاستبداد والدفاع عن العقيدة الديمقراطية التي مفادها ..العدالة الاجتماعية ودولة الحق وحكم صندوق الاقتراع ..بالطبع تلك تجربة مورست وعادت لتشكل مع مرجعيات أخرى أسسا متينة لقوة ووجاهة خطابه الحزبي والسياسي..

فالصحافة التي لاتبني ممارسها ومحترفها..وتدفع إلى امتلاك وتملك ناصية اللغة واللغات والانفتاح على ثقافات عدة ..لن تكون سوى بهرجة أو خربشة رديئة على طوار المهنة ..هكذا تعامل معها اليوسفي وجعلها تراكما مفيدا للقادم من تحولات المغرب الذي لم يخرج يومها من ربقة التبعية ومخططات “القوة الثالثة”…

إضافة لكل هذا ..كان القائد والزعيم الاشتراكي الاتحادي محاميا مع ما تعنيه المحاماة وقتها وزمنها من نضال عاقل وتقدمي ضد الرجعيات السائدة آنذاك ..التجربة القانونية والثقافة الحقوقية التي جعلته يكون رقما لايتجاوز في منظمات عالمية وإقليمية ..المحامون العرب ,المنظمة العربية لحقوق الانسان ,الاليات الأممية ذات الارتباط بنفس الهم الحقوقي ..ثم فترة المنفى التي تجعل .. تصقل وتنحت عميقا في شخصية المبعد والمنفي ..عوامل متداخلة مكنت الراحل من “الانتباه إلى الدقة والوضوح الضروريين للمفاهيم وسياقات استعمالها “….

الخطاب السياسي ماشي “حفن الملحة وكول  شحال الغاسول “..بفتح الحاء وتشديد الفاء …اليوسفي تاريخ وحياة وطنية حافلة نظيفة ..لهذا كان رأسه يستحق التقبيل ………………………….

ثم وهذا من أهم السمات الضابطة لما نحن بصدد تبريزه ..كان الرجل قريئا ومنتبها لاهم مايصدر سواء كتبا أو جرائد ..يلتهم الصفحات والحروف بنهم لذيذ ..ويصاحب كبار المثقفين والمنظرين والفلاسفة على شاكلة الراحل محمد عابد الجابري ..فالمصاحبة الثقافية لرموز فكرية ..تسمح للسياسي بالتطور واتساع الرؤية وحصافة التحليل ..

عندما قال “المركب المصالحي” كان يعرف مايقصد ..

عندما تحدث عن “التناوب التوافقي ” اختصر مدخلات مرحلة سياسية مع مخرجاتها في كلمتين ..

لما نحت مصطلح “التلاميذ السحرة” لم يكن يمزح  مع جيوب مقاومة التغيير التي اصطفت لهدم تجربة التناوب ..

هذا دون الحديث عن الداخل التنظيمي والسياسة التي لاتوجد فيها تأمينات ولاشركاتلاصورانس….

هوذا  اليوسفي ..وهذا هو خطابه المؤسس والمضبوط وغير القابل للتعليب والشعبوية ولغة “أكلوني البراغيث”…الرجل كان سياسيا وحقوقيا وصحافيا ومثقفا موسوعيا ..كان عفيفا زاهدا نزيها وطنيا صادقا ذو أخلاق جبارة …اللهم ارزقني وارزقنا نزرا يسيرا مما كانه .. زهدا ونزاهة وكفافا وعفافا وغنى عن الناس ………………..

تحميل مواضيع أخرى ذات صلة
تحميل المزيد في أبرز المواضيع
التعليقات مغلقة.

شاهد أيضاً

حصاد الأسبوع بأسفي | 17 أبريل 2024